الخِتان في التراث الشعبي الفلسطيني
يعتبر الختان/ الطهور، من أهم الأحداث في حياة الصبي المسلم وفي حياة والديه... ويكاد الاحتفال بالطهور يضاهي احتفالي الولادة والزواج.
يذكر الدكتور جواد علي في كتابه "المفصّل في التاريخ"، أن الختان في الأصل كان نوعاً من أنواع العبادة الدموية التي كان يقدمها الإنسان إلى أربابه، وهو أهم جزء من العبادات في الديانات القديمة، فقطع جزء من البدن وإسالة الدم منه، يعتبر تضحية ذات شأن خطير في عرف الناس في ذلك العهد.
ويرى الباحث شوقي عبد الحكيم، أن الناس قديماً كانوا يعتقدون في أن الطهور هو الحماية الحقيقية للطفل من العفاريت.
ويقال إن أول من اختتن هو النبي إبراهيم عليه السلام، الذي اختتن هو وأهل بيته وعبيده الذكور... وقد ورد في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعدما أتت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدّوم".
لكنّ هناك من يرى أن المصريين كانوا أول من سن الختان، وكان ذلك بقصد النظافة والطهارة، ثم أصبح عادةً للكهّان، ولم يكن يسمح به لعامة الناس إلاّ بإذن من الكاهن الأعلى.
وقد دعا الإسلام إلى الختان، ووردت الدعوة إليه في الحديث النبوي الشريف، ولم يرد أي ذكر له في القرآن الكريم.
وفي فلسطين، تسبقُ الختانَ ليالي الفرح، فيغني الرجال والنساء ويرقصون، وربما امتد الغناء والرقص إلى أسبوع كامل.
وفي هذه المناسبة يتم تجهيز الحناء، ويحضر "جهاز" جديد للصبي، وتقدم ثياب الاحتفال للأقارب.
ومثلما تؤخذ العروس من بيتها إلى بيت عريسها في موكب زفة، ومثلما يزف العريس ليلة عرسه، يزف الصبي المختون على صهوة جواد في موكب احتفالي وهو يرتدي ثيابه الجديدة، وقد زين جسده بالأزهار والأوراق والريش، كما تقدم له الهدايا.
وفي الليلة الأولى من ليالي الاحتفال بالختان، تذهب أم الصبي وأخته إلى بيوت القرية، لدعوة الناس لحضور الاحتفال، كما يذهب إخوة الأب لدعوة رجال القرية... وكما هي العادة في أي احتفال، يحتفل الرجال والنساء في مجموعتين منفصلتين.
وجرت العادة أن يدعى الناس من القرى المجاورة لحضور الاحتفال... وعندما يشاهَد الضيوف من مسافة بعيدة تصعد امرأة من قريبات المختون لتغني وتزغرد، مرحّبة بالقادمين.
وفي الليلة الأخيرة من الليالي التي تسبق الاحتفال تتحنّى كل النساء وترتفع أصواتهن بالغناء والزغاريد.
وفي صباح يوم الختان، تلبس الأم طفلها الذي سيختَن، ملابس زاهية الألوان، وتضع على رأسه طربوشاً أحمر تخاط عليه قطع النقود والخرز، وتثبت عليه حزمة من الورق الأخضر وريش النعام، ويؤتى بحصان ليركبه الطفل المختون، ويسير موكب الزفة هذا عبر طرقات القرية، ويعزف رجل على شبابة، ويلوح آخر بعصاً في الهواء... ويتوقف الموكب عند فسحة في القرية حيث يرقص الرجال.
ومن المحتمل أن يتم الختان في البيت، وقد يتم أثناء الموكب.. وإذا جرت عملية الختان أثناء الموكب، وقف الرجال في حلقة متراصّة، واقتربوا من الخاتن، وأخذوا يَحْنون رؤوسهم ويقربونها، يكاد رأس الواحد منهم يلامس رأس الآخر، وذلك لكيلا تتسرب النظرات الحاسدة إلى داخل الحلقة... ويأخذون في الغناء في الوقت الذي تجري فيه عملية الختان.
كان الناس في فلسطين يفضلون ختان الصبي في أيام الوتر "المفردة" كاليوم الثالث أو السابع... وفي رأينا أن لهذا صلة ما بما يراه المذهب الشافعي، الذي يستحب إجراء الختان للصبي في اليوم السابع من ولادته... ونحن نعرف أن الختان في الإسلام لم يرد تحديد لوقت إجرائه.
ومن الجدير بالذكر أن أجدادنا الكنعانيين كانوا قد عرفوا الختان وكان شائعاً بينهم.
الخِتان في التراث الشعبي الفلسطيني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
