عن مقومات الدولة الفلسطينية ومعوقات إنشاءها

مقومات الدولة الفلسطينية حبيسة الموقف الإسرائيلي
قبل البدء في كتابة هذا الموضوع أريد أن أنوه بأنني سأهديه إلى أستاذي العظيم الأخ الغالي كنز المعرفة والثقافة ( كنار فلسطين ) لأنني أفتقده كثيرا هذه الأيام بين أروقة منتدانا الشامخ بشموخ عقول أعضاءه المتفانيين من أجل ارتقاء حركتنا الديمومة له ولجميع الأخوة كل التقدير والاحترام موصولا بالود الفتحاوي وأتمنى عليك أخي الغالي كنار أن لا تحرمنا من ردك على هذا الموضوع وأن لا يطول غيابك أكثر من الآن ونعود إلى موضوعنا
بعد التصريحات الصحفية لرئيس الوزراء الأخ الدكتور سلام فياض قبل فترة والتي قال فيها أن الدولة الفلسطينية المرتقبة ستبصر النور بحلول شهر آب / أغسطس من العام القادم 2011 / من خلال "الوقائع على الأرض" قبل فترة برزت إلى الأمام تساؤلات حقيقية حول مقومات الدولة الفلسطينية ومعوقات إقامتها في المدى المنظور .
لكن قبل الخوض في مقومات الدولة الفلسطينية المختلفة يشير إلى بعض المعوقات التي تحول دون قيام الدولة الفلسطينية وفي هذا السياق يمكن التأكيد بوجود تفاوت بين الموقفين الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير التي ترى بضرورة أن تقضي المفاوضات مع إسرائيل إلى دولة فلسطينية على كامل مساحة الضفة والقطاع وعاصمتها القدس الشرقية منذ عام 67 في حين تشترط حكومة نتينياهو على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة في مقابل قبولها بدولة فلسطينية منزوعة السلاح وغير محددة المعالم ، الأمر الذي يعزز فكرة رفض الكيان الصهيوني لدولة فلسطينية وفق رؤى منظمة التحرير الفلسطينية وسعيا منها لمحاصرة أهداف الفلسطينيين العليا وخاصة هدف الدولة الفلسطينية ذات السيادة في الضفة والقطاع ، سارعت حكومة نتنياهو من وتيرة النشاط الاستيطاني لتهويد أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية ومعالمها التراثية التاريخية ، وبشكل خاص في مدن : القدس والخليل وبيت لحم ، وبالنسبة لموقف الإدارة الأمريكية من الدولة الفلسطينية ، فإنه على الرغم من الحديث المتكرر من قبل إدارة أوباما حول ضرورة تجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية كخطوات تمهيدية لانطلاقة عملية المفاوضات تقضي إلى دولة فلسطينية بيد أن تلك التوجهات لم تكن حقيقية وفعلية حيث لم يرافق تلك التصريحات ضغوط سياسية ومالية واضحة على حكومة نتنياهو بل على العكس من ذلك تمت الإشارة في أكثر من مناسبة عمق العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية وبشكل خاص من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية ( هيلاري كلينتون ) وفي الاتجاه نفسه تشير المواقف الأوروبية إلى ضرورة إنشاء دولة فلسطينية ، لكن السياسات الأوروبية هي الأخرى لم ترق إلى مواجهة التعنت الإسرائيلي الرافض للفكرة المذكورة ، ومن هنا نرى بأن الأطراف الفاعلة في إطار العلاقات الدولية غير مقتنعة حتى اللحظة الراهنة وفي المدى المنظور لاستخدام وسائل الضغط الفعلية لإنشاء دولة فلسطينية .
أما على صعيد مقومات الدولة الفلسطينية ، فإن كل ذلك مرهون بمواقف الطرفين الإسرائيلي والأمريكي ، ففي الجانب الاقتصادي استطاعت الكيان الصهيوني عبر سياسته المختلفة منذ عام 67 من تطويع الاقتصاد الفلسطيني لصالح الاقتصاد الإسرائيلي وجعله تابعا في نهاية المطاف ، حيث تشير المعطيات إلى أن الكيان الصهيوني بات يسيطر على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني ، واللافت أن 90 % من إجمال التجارة الخارجية الفلسطينية بشقيها الصادرات والواردات هي مع الاقتصاد الصهيوني والنتيجة بطبيعة الحال هي العجز التجاري الفلسطيني .
وقد أصاب للاقتصاد الفلسطيني تشويه بنيوي أدى إلى تراجع آداء قطاع الزراعة بفعل تلك السيطرة على الأرض الفلسطينية بما فيها القدس ولترتفع معدلات البطالة من الفلسطينيين إلى أكثر من 40 % من قوة العمل الفلسطينية في الضفة الغربية وأكثر من 60 % في قطاع غزة بفعل الحصار المستمر وبدوره أدى تراجع الآداء في الاقتصاد الفلسطيني إلى اعتماد نسبة كبيرة من قوة العمل الفلسطينية على العمل في الاقتصاد الصهيوني ، ما أدى إلى وقوع الفلسطينيين في مصيدة الابتزاز الصهيوني اليومي ، وانتقل الاقتصاد الفلسطيني إلى شرك المساعدات الخارجية بعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 ، وفي جانب السيادة على الأرض تسارعت الإجراءات الصهيونية بمصادرة وتهويد المزيد من الأراضي الفلسطينية تبعا للتصورات الصهيونية التي تتركز حول إنشاء سلطة فلسطينية محدودة بحيث يتم توسيع الحكم الذاتي الفلسطيني ليمتد على 42 % من مساحة الضفة الغربية فقط وتكون تلك الأراضي معزولة جغرافيا بالمستوطنات القائمة والجدار العازل الذي سيمتد لنحو 720 كم ، ويبتلع أكثر من 50 % من مساحة الضفة الغربية وقد تكون مراكز المدن الفلسطينية تحت سيادة السلطة الفلسطينية لأنها تضم نحو 90 % من مجموع السكان الفلسطينيين من الضفة الغربية والبالغ أكصر من 3 ملايين فلسطيني بما فيهم السكان الفلسطينيين في محافظة القدس وبذلك يحقق الكيان الصهيوني أهدافا ديمغرافية تسيطر من خلالها على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية بأقل عدد ممكن من السكان العرب وتبقى في ذات الوقت سيطرتها على أوجه السيادة المختلفة ومفاتيح الدولة الفلسطينية من اقتصاد وعلاقات خارجية ومعابر ، ناهيك عن سيطرتها على 85 % من إجمالي الموارد المائية الفلسطينية المتاحة والمقدرة بنحو 800 مليون متر مكعب سنويا .
أما بالنسبة للمقومات الأخرى للدولة الفلسطينية والمتمثلة بإنشاء دولة فلسطين شبكة علاقات دولية ، فإن ذلك متوفر إلى حد ما منذ إعلام منظمة التحرير لوثيقة الاستقلال في نوفمبر عام 1988 حيث استطاعت منظمة التحرير بناء علاقات دبلوماسية وسياسية بمستويات مختلفة مع أكثر من 124 دولة في العالم ، بيد أن تعزيز تلك العلاقات وترسيخها مرهون بانتزاع الفلسطينيين لدولة فلسطينية في الضفة والقطاع ومعترف بها من قبل الطرف الآخر ونقصد هنا الكيان الصهيوني ، ناهيك عن اعتراف أمريكي وأوروبي بالمقام الأول حتى يتم اعتمادها في الأروقة الدولية ، وهذا التوجه يتطلب إعادة وحدة الصف الفلسطيني وقبل ذلك لا بد من ترسيخ خطاب عربي موحد يتبنى فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع